وفيما يلي نص البيان :
“بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ وبعد: فنظرا إلى أن أهل الرأي الطبي في هذا البلد مجمعون على خطورة وباء كورونا – أجار الله منه العباد والبلاد- و سرعة انتشاره، وأنه لا دواء منه إلا شدة التوقّي والتحرز، وحذروا في هذا الصدد من اجتماع الناس بل من أي لقاء أو زيارة لا تدعو الضرورة إليهما، ونصحوا بلزوم كل أحد بيته ما أمكن ذلك .
وقالوا إن هذا هو أنجع دواء لهذا الوباء الذي ينتشر في الأرض كالغيث استدبرته الريح، بالإضافة إلى غير ذلك من تعليمات هامة نصحوا ومازالوا ينصحون بها .
وبناء على ذلك أمرت السلطات العليا في هذا البلد باتباع تلك التعليمات وحذرت من اجتماع الناس لما في ذلك من مظنة انتشار العدوى بكثرة – لا قدر الله- ثم أمرت بعدم صلاة الجمعة مؤقتا لما يستلزمه قيام الناس بهذه الشعيرة من اجتماع الأعداد الغفيرة التي لا يمكن التحكم فيها.
نظرا إلى جميع ما تقدم فان المجلس الأعلى للفتوى والمظالم وعيا منه بخطورة هذا الوباء وشعورا منه بجسامة المسؤولية الشرعية الملقاة على عاتقه يرى ضرورة الالتزام بهذه التعليمات الصادرة من أصحاب الاختصاص الذين هم من أهل الذكر في مجال الصحة. قال تعالى : {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }.
وبناء على ذلك وما يدعمه من نصوص صحيحة صريحة تأمر بالمحافظة على النفس التي جعل الله حفظها من الكليات الخمس الواجبة في جميع الشرائع، وبعدم الإلقاء بها إلى التهلكة. قال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما }، وقال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة }، وقال صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار من ضار ضر الله به ومن شاق شق الله عليه وفي رواية :لا ضرر لا ضرار في الإسلام “، فان المجلس يري:
أولاً: عدم وجوب صلاة الجمعة في هذه المرحلة التي أوصى الأطباء باجتناب الاجتماع فيها .
فمن المعلوم من مذهبنا أن من مسقطات الجمعة الخوف على النفس أو لحوق الضرر بها أو إلحاقه بالغير وحتى الخوف على المال .قال الشيخ خليل في مختصره في ذكره لمسقطات الجمعة والجماعة :” وعذر تركها والجماعة شدة وحل ومطر وجذام ومرض وتمريض وإشراف قريب ونحوه وخوف على مال ….” .
ومن المعلوم كذلك أن الشريعة الإسلامية بنت أحكامها على خبر الطبيب العارف الثقة في العبادات فأباحت ترك الوضوء للصلاة والانتقال إلى التيمم ،وأباحت الفطر في شهر رمضان إذا اخبر الطبيب العارف الثقة بضرر الوضوء أو الصوم على الشخص وقبلت خبر الخبراء في العيوب في المعاملات قال الشيخ خليل: “وقبل للتعذر غير العدول وإن مشركين”.
ومن المعلوم كذلك أن الجمعة لا يصح إيقاعها بغير المسجد في مذهب الإمام مالك، فالمسجد شرط أساسي في صحتها قال الشيخ خليل في تعداد شروط الجمعة: “وبجامع مبني “.
وقال القاضي عبد الوهاب في كتاب المعونة : “وشروط الجمعة خمسة : إمام ومسجد وجماعة وخطبة وموضع استيطان وإقامة إلى أن قال: وإنما شرطنا المسجد لأنه صلى الله عليه وسلم صلاها في المسجد ولم يصلها إلا فيه وقد قال : “صلوا كما رأيتموني أصلي “.
ومن المعلوم كذلك وجوب امتثال أوامر أولياء الأمور بالمعروف امتثالا لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}.
وقد نص علماء المالكية على أن ولي الأمر إذا منع من الجمعة اجتهادا منه فلا تجوز صلاة الجمعة ولا تجزئ من صلاها ويعيد أبدا، ولا يخفى على أحد أن اجتهادهم في هذا الموضوع مبني على درء المفسدة وجلب المصلحة .
ثانياً: يرى المجلس أن من التعليمات التي يجب اتباعها شرعا عدم التسلل من بلد موبوء إلى بلد ليس كذلك لما فيه من التسبب في نقل العدوى وهو أمر لا يجوز شرعا لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا يورد ممرض على مصح”، ولقوله صلى الله عليه وسلم:”لا ضرر ولا ضرار”.
ثالثاً: يرى أن من التعليمات الواجب اتباعها شرعا: تسليم المشتبه بهم لأنفسهم إلى الجهات الطبية وعزلهم لأنفسهم عن الناس وأحرى من يتحقق ذلك من نفسه، وإلا كانوا آثمين مفسدين لما يقترفون من تعريض الناس للهلاك بالتسبب في تفشي الوباء وانتشاره بينهم، إذ لا شك أن التسبب في تفشي هذا المرض من الإفساد في الأرض الذي نهى الله عنه. قال تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}.
رابعًا: يرى المجلس أن ينصح جميع الناس بالامتثال والانصياع لجميع التعليمات الصادرة عن السلطات العليا وعن الجهات المختصة فيما يحفظ على أهل هذا البلد صحتهم وعافيتهم ويُوصيهم بتقوى الله والتوبة إليه واتباع كتابه والإكثار من الصدقة والذكر والدعاء والتضرع إلى الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها من الأعمال الصالحة.
قال تعالى : {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون }، وقال تعالى :{ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب }،ا وقال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية }، وقال تعالى: {ادعوني استجب لكم }. ولنحذر أن نكون ممن صدق عليهم قوله تعالى: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون }.
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، ونسألك من كل خير سالك به عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من كل شر استعاذك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عيه وسلم ونسألك ما قضيت لنا من أمر أن تجعل عاقبته رشدا.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى جميع التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين” .