“الأمة التي تحسن أن تجرأ على الحق وتجترئ على الباطل تمتنع فيها أسباب الفساد” عباس محمود العقاد
تطالعنا بين الفينة والأخرى مواقع الكترونية وصفحات من التواصل الاجتماعي بتأكيد نبإ الإنذار الذي وجهه رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لوزراء الحكومة وللمسؤولين الكبار في الدولة والتحذير من مغبة محاباتهم “ذويه” من رجال الأعمال والوجهاء والمدعين صفات تميز وحمل القيم، وتقديم التسهيلات لهم الغير المستحقة في كل أوجه السهيل الإداري والخدمي للوصول إلى الصفقات والخدمات.
بهذا يسجل مرة أخرى رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني عهدته الخمسية في دائرة الحكامة الرشيدة التي تتخذ من الشفافية مرتكزها الأول ومعول هدمها البتار لمرتكزات الفساد التي طالما اتكأ عليها المفسدون في جميع قطاعات الدولة وزارات ومؤسسات ليعبثوا بميزانياتها ويحرفوا مداخلها عن زجها غير آبهين بالمواطنين ولا مبالين بالبنى التحتية للبلد.
نعم هكذا وبدون شك يبدأ الإنصاف “الحكاماتي” عند القيادة الرشيدة من منطلق إدراكها المعلن لخطورة التغاضي عن هذا النهج “السيباتي” المدمر والمتبع منذ تأسست الدولة قبل ستين عاما، والذي لم تنكر أي من الحكامات المتتالية “مدنية” و”عسكرية” عبث القبلية و العشائرية والأسرية والإثنية الطبقية بمقاصدها إلى العدل و المساواة وبناء المواطن بالتعليم والرعاية الصحية وبناء وتشييد وتفعيل وتطوير البنى التحتية التي تسهل عملية التطوير وتدعم عملية استمرار هذا البناء وتجلب المنعة وتحقق الرخاء وتنشر العدالة والمساواة.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال هذه الخطوة الغير مسبوقة من رئيس للجمهورية في بلاد حضور “الماضوية” بقوة. فإن كل الأحكام التي “طال” أو “قصر” أمدها قد أطلق جميع رؤساؤها العنان لذويهم حتى أمسكوا بزمام الأمور وسيروا المال العام على أمزجتهم و أهوائهم :
ـ ففتحوا المصارف من مخزون مستودعات المصرف المركزي من العملة الصعبة وأنشأوا شركات التأمين البري والبحري من بعد التحكم في الطرق والموانئ والمطارات وتسخير الجمارك ومصالح التفتيش والجباية الضريبية لمسوغاتهم التجارية والتعاملية ومقاصدهم الربحية والانتفاعية.
ـ وأسسوا الشركات والمكاتب الدراسية والفنية و الاستشارية والمحاسبة، والمجموعات الكبيرة، والمؤسسات المتخصصة، الموجهة كلها لاحتكار التعامل مع كل قطاعات وإدارات ومكاتب ومشاريع الدولة وجهات مختلف المقدرات ومرجعيات المخططات الإنمائية كـ :
ـ بناء الطرق،
ـ وإنشاء محطات التوليد الكربائي،
ـ وتشييد المنشآت المائية من سدود شبكات تحلية وتوزيع،
ـ والقروض الزراعية،
ـ ورخص التنقيب واستغلال الثروات المعدنية،
ـ والثروة البحرية من سمك ونفط.
والأسوأ في كل هذه المسارات هو أن كل “أمة” تأتي كانت تلعن التي سبقتها ثم تعمد إلى إعادة الكرة للاستحواذ والاحتكار” والفساد والنهب، ولكن بمنهاجها المبتكر، والمخالف لما سبق، تحت “مسوغات” اجتماعية جديدة لا تعلن عناوينها ولكنها لا تخفى كل حضورها وتجلياتها، حتى باتت المصارف “موصومة” ودولة بينهم، والأسواق “معرفة”، والعمارات الشاهقة ترتفع بجرأة في كل “فضاءات” العقار العام المغتصب من المدارس والثكنات العسكرية والملاعب والساحات العمومية وعلى شاطئ المحيط وضفة النهر وما بعدها، والمؤسسات الخدمية والإدارية تدار من خارجها.
إن السيد الرئيس، يضع بهذه الخطوة الشجاعة مبدأ “الشفافية” في التعامل مع الشأن والمال العامين أساسا لنهج حكمه إلى الإصلاح على أسس سليمة ويفتح لا شك صفحة جديدة في مسار هذا الإصلاح الذي وعد به وبالإقلاع التنموي البناء الذي أطلقه كذلك لتحقيق دولة القانون والعدالة والمساواة والرفاه.