عندما نالت البلادُ اسْتقلالها سنة 1960 صادفَ ذلك نقْصا في الأطر فرضَ استغلال الموجود أيا كان المستوى العلمي وذاك برّرَ العديدَ من القرارات كأن تجتمعَ ترقياتٌ في جغرافيا واحدةٍ وحتى داخل بيْتٍ واحدٍ.
ولأن مرافقَ الدّولة الفتيةِ يتحتّمُ ملؤها للمصلحة العامّة لزِمَ التعامل مع الواقعِ لكن بمكيالٍ وحيدٍ منصفٍ بحسب شهادة الجميع.
هذا التعاملُ العادلُ مع الموظفين في ترقياتهم أضفى جمالا على الحكْم وقت كان أبو الأمّة بيده الأمرُ فحازَ به التقديرَ الذي لازال له حتى بعد نصف قرن ن الزّمن .
إنّ عمل المعروف لا يضيعُ مطلقا ولا يمكن ستْرُه ولا يغيِّبُه العاملُ الدَّهْرِيُ مهما طالَ فلا زلْنا اليوْم نتغنى بأفعال ذلك الجيلِ رغم كون من بقي منه قلّةٌ وفى الأذهان لهم كلّ التقدير .
فهل نحن اليوم على نفس الدّرْبِ؟
للإجابة على هذا السؤال يحسُنُ ذكر أن الفساد عشَّشَ وباضَ وفرَخَ في البلاد وذاك بشهادة الجميع ولا نزالُ نئن تحت وطأته الثقيلة في كثير من القطاعات الحكومية إذا لم يكن فيها جميعا.
ومن تجلّيات ذلك الانقلابُ غير العسكري الحاصل ُ في المفاهيم العامة التى بعد أن كانت تقدّرُ أهل العلْم وتمجّدُ القائمين على الشأن العام أصبحت لا ترى وزنا لغير الجيوب المليئة لا يهمّ أكان ذلك من مُباحٍ أم من غيره.
ومن بعد تأثَّرَ التعليمُ وكاد يُنْسى فضْلُه من المخيّلة الوطنية ما سبّب ويلاتٍ ليس أقلّها التدني الكبير في المستويات العلمية حتى أن العارفين به يعتقدون أن نسبة الْمُقْتَدِرِ من المدرّسين لا تتجاوزُ ال5 في المائة .
وأمام هذا المناخِ المتخلى عن التعلّمِ ساد حبُّ المال ولم يسلمْ منه حتى من يُفترضُ تحلّيهم بالرّشد والمسؤولية والمثالية فعمت الفوضى.
ولأن أمتنا تأخذ من مصدر وحيدٍ :المال العام ,وقع خلطٌ عجيب في كافة الأوجه الاقتصادية والثقافية وغيرها ولم تعد أمورنا جميعا تخضع لغير منطق المنفعة .
ألا ترون معي أن مصادر جميع الموظفين والتّجار -في الغالب -متأتية من المال العام ؟
ولأنه لم تعد له حرمة (أي المال العام) أصبحت الرّيادة لمن يستطيع الجمْعَ أكثرَ دونما وازعٍ ولا رقيبٍ.
وقد توافقونني الرّأيَ أن مالَ الموظف فيه ما يُقالُ إذ لو بقي على راتبه ما أمكنه العيشُ أحرى أن يدخل لائحة الميسورين.
إن هذا لمن يريد أن يعلم غير خفي حتى على العامّة لكنه أصبح سلوكا متقبلا من الجميع لا يُرتجى منه خلاصٌ على الأقل في المدى المتوسط.
وبدلا من التّكامل في الأحكام حيث يكمّلُ اللاحقُ السّابقَ يقع التنافر ومع مجيء كل جديد تولد الدّولة بحيث نشطب على الماضي .ِ
والأصل أن كل حكم يبنى علي ما سبقه فيصلح ما كان فاسدا ويعملُ على جلب المنافع والخير للنّاس وللوطن .
ولأن الترقية عامل جوهري في هذا أخضعوها لغير الجدارة فصارت تُنالُ نفاقا أو قرابة ومن خلال آليات لم تكن معهودة ولا يرضاها ذوقٌ سليمٌ.
تخيّلْ معي أن تلاميذَك يصبحون مدراءَ ووزراءَ عليك وأن آخرين دائمو الترقية وغيرهم من غير علّة في الجدارة مقصيونَ .
والعجيب أنك تلاقي خلْقا مُتَجاوِراً هذا بيده كلّ شيء وهذا محرومٌ لا يصلح مع كونهما سواء في الدبلوم و و..وو.
ومع أن هذا مُدْرَكٌ لا تلاقي مطلقا من يبحث له عن حلولٍ بل من يزيدُ في الوحْلِ.
فأين الضّميرُ ؟
وهل يعقلُ بناءُ أمّة والعمل على ازدهارها وقلّة هم من (يَحْلَبْ أَدْرَارْهَ)؟
وهل من دون تعلّم نطمع في حصول تقدمٍ ؟
وما ضررُ استفادة الجميع من الدّولة كلٌ بالذي يستطيع وبناء على قدراته ؟
وهل من دون العدْل نستبشر الخيرَ؟
أسئلة كثيرة لا يضاهيها في الوجاهة سوى البحثِ عن حلولٍ تخلّصُ ووحده رئيس الجمهورية اعتمادا على الصّلاحيات يمكنه وضع مقاربة للمعالجة للحدّ من هذا بعدما استفحل وصار عنصُرَ هدْمٍ .
أدام الله عافيته على الجميع .