اصعب ما تكون السلطة حين تريد الاصلاح ..
وأسهل ما تكون حين تريد الافساد !
لأن الاعوان على الباطل اكثر من الاعوان على الحق !
قامت السلطات -في مبادرة فريدة- بفتح ملفات الفساد ؛ من اجل محاسبة المسؤولين عنها..
لكن ذلك لم يشف غليل العاكفين في محراب عبادة “المعارضة” !!
بل واصلوا التبتل في محرابهم ؛ زاعمين أن الامر لا يعدو كونه ذرا للرماد في العيون ..
وان محاربة الفساد اذا كانت صادقة ينبغي ان تشمل كل المفسدين طيلة السنوات الماضية ..
وهؤلاء المعترضون يدعمون الفساد من حيث يشعرون او لا يشعرون !
اذا كان هناك مفسدون من موقع السلطة ..فهناك أيضا مفسدون من موقع المعارضة !
لانهم بمعارضتهم يوقفون المسيرة ؛ ويثبطون الهمم ؛ ويقتلون الامل ، ويهيجون العامة !
هؤلاء الذين يدعون بأنهم ينصرون الحق ويريدون المحاسبة الشاملة انما يهدون طوق النجاة الى الى المتهمين اليوم بالفساد !
متناسين ان ما لا يدرك كله لا يترك جله ..
وان كلمة الحق لا تكون كلمة حق حينما يستفيد منها المجرم ويتقوى بها الظالم ..
قال عليه الصلاة والسلام : “أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان يجادل بالقرآن” .
وأن الرجل قد يقول كلمة الحق ويخرج بها من الدين ؛ كأن يصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أمي قاصدا الاستهزاء والسخرية !
إن كلمة الحق لا تكون كلمة حق الا اذا قيلت في الوقت ةالمناسب وبالطريقة المناسبة ..
قال عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها : “لولا أن قومك حديثوا عهد بجاهلية لنقضت الكعبة وأقمتها على قواعد ابراهيم”.
و من يقول كلمة الحق دون النظر في مآلاتها يكون كالرامي الذي يقذف بالرمية دون تسديد ودون التمييز بين صفوف الأولياء وصفوف الاعداء !!
وقد قال تعالى : { وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}
قال القرطبي :
هذه الآية دليل على مراعاة الكافر في حرمة المؤمن ، إذا كان لا يمكن أذية الكافر إلا بأذية المؤمن .
قال ابن القاسم : سمعت مالكا وسئل عن قوم من المشركين في مراكبهم : أنرمي في مراكبهم بالنار ومعهم الأسارى في مراكبهم ؟ قال : فقال مالك لا أرى ذلك ، لقوله تعالى لأهل مكة :{ لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما }.
وقد تعلمنا من كتاب ربنا ان مناصرة شخص في موقف من المواقف لا تعني التبعية له ولا تعني الاقرار بكل مواقفه ..
قال تعالى : { الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }
سبب نزول هذه الآية على – ما ذكره المفسرون : – أنه كان بين فارس والروم قتال ، وكان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم ، لأن أهل فارس كانوا مجوسا أميين ، والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس ، لكونهم أهل كتاب.
وتعلمنا من هدي السلف ان الحق لا يتحقق جملة ..
وان الباطل لا يندفع دفعة ..
وان باغي الاصلاح مجبور على التأني ..
وقد قال الخليفة الزاهد المصلح عمر ابن عبد العزيز لولده لما دعاه الى الاسراع في إقامة الحق والعدل :
(لا تعجل يا بنيّ؛ فإنّ الله ذمّ الخمر في القرآن مرتين وحرّمها في الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة فيدفعونه جملة ويكون من ذلك فتنة….
والله ما أستطيع أن أخرج لهم شيئا من الدين إلا ومعه طرف من الدنيا أستلين به قلوبهم؛ خوفا أن ينخرق علي منهم ما لا طاقة لي به…
إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدةً عقدةً, وعروةً عروةً, ومتى أردتُ مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمَنْ أن يفتقوا علي فتقاً يكثر فيه الدماء !!…
أَوَ ما ترضى ألَّا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت بدعة, ويُحيي سنة).
وهذا كله يقتضي ان يقف الناس صفا واحدا ؛ وان يكون لهم موقف موحد داعم لمحاسبة المفسدين.