مع بزوغ فجر التسعينيات وانطلاق ما يعرف ب”المسلسل الديمقراطي” وإطلاق التعددية السياسية والإعلامية التي جسدها دستور 20 يوليو 1991 الذي شكل نهاية عهد الحكم العسكري المباشر،بدأ الإعلام يخطو خطواته الأولى مع ظهور الصحف الورقية،التي شكلت في تلك الحقبة قبلة المواطن الموريتاني الباحث عن جديد الأخبار والمعلومات،ومع تقدم الزمن بدأت مؤسسات الإعلام المرئي والسمعي في الظهور،و استقطبت عشرات الشباب الذين شكل الأمر بالنسبة لهم حلما رأى طريقه للوجود.
غير أن تجربة ما عرف ب”تحرير الفضاء السمعي البصري” والترخيص لقنوات وإذاعات مستقلة أعطى دفعا جديدا للمشهد الإعلامي الموريتاني،حيث أصبح أكثر تعددية وحيوية بالرغم من التحديات التي تواجه هذه التجربة،وأبرزها ضعف مأسسة هذه المحطات ونقص خبرة الطواقم الصحفية،الأمر الذي شكل أزمة تواجه الصحفيين في موريتانيا الباحثين عن المعلومة الرسمية حيث يمتنع المسؤولون في الغالب عن إعطاء أي تصريح أو معلومة إلا لوسائل الإعلام الرسمية.
“هؤلاء يجدون من التحديات في سبيل الحصول على المعلومات ما لا يعد” بحسب قول حسن المهدي (صحفي ومنتج تلفزيوني) ويضيـف:
“أبرز التحديات التي تواجهنا في الحصول على المعلومات الرسمية هو التمييز السلبي الذي يمارس ضد الصحفيين العاملين خارج مؤسسات الإعلام الحكومي،ونحن قد نجد للسلطة مخرجا في احتكار المعلومة الرسمية لصالح مؤسساتها،لكن لايمكن بأي حال من الأحوال أن نجد مبررا لإقصاء الصحفيين من حضور الأنشطة الرسمية والحكومية،خصوصا تلك التي يحضرها الرئيس حيث يعتبر هذا حرمانا من المعلومة وحق الوصول إليها “.
نُظمت الصحافة المستقلة في دستور 20 يوليو 1991 بالقانون الذي حمل رقم 023-91،ثم لاحقا تم تعديله بالأمر القانوني رقم 034-2006 المنظم للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية،ثم سرعان ما جاء القانون رقم 045-2010 والمتعلق أساسا بالاتصال السمعي البصري،والهادف لانتشال وتحرير قطاع السمعيات البصرية،وكان بارقة أمل شعر المنتسبون للحق الإعلامي بجدوائيتها وقيامها بدور في فتح الباب أمام جميع الصحافيين بصرف النظر عن مؤسساتهم وتسهيل مهامهم بالحصول على المعلومات،غير أنه بعد مرور السنوات ما تزال التحديات قائمة بحسب مراقبين للوضع،تقول الصحفية والمراسلة طيبة الغوث:
“الصعوبات التي نواجهها نحن كمراسلين لا تختلف كثيرا عن مايعانيه الإعلام الخصوصي فيما يخص الوصول للمعلومة،وهي تكمن في عدم سلاسة تعاطي المؤسسات الحكومية مع الإعلام وعدم دراية هذه القطاعات بالصورة التي يمكن أن ترسمها هذه المعلومات دوليا،والتي أحيانا تكون لها علاقة بالأمن وحقوق الإنسان والحريات”
وتضيف طيبة وهي تتحدث عن العراقيل التي يجدها المراسل الدولي في طريق الحصول المعلومات:
“نحن نعتبر الحصول على المعلومات الرسمية تحديا كبيرا والمشاركة في التغطيات الكبرى والزيارات الرسمية تحديا أكبر،،صحيح في الفترة الأخيرة أصبح الموضوع شيئا ما أخف من حيث عدم احتكار هذه المعلومات على الإعلام الرسمي،لكن تظل دائما هناك مواضيع نعجز عن تناولها كما ينبغي نتيجة غياب وجهة النظر الرسمية،في الوقت الذي هو فرصة لهذه الجهات لكي لا يبقى مكانها شاغرا”.
تضمن دستور 1961 العديد من الحقوق والحريات التي يكفلها القانون بنصه الذي يقطع الشك باليقين،ومع ذلك فلم تكبح تلك القوانين جماح التحديات والمضايقات التي يتعرض لها بين الفينة والأخرى مراسلو المؤسسات الإعلامية الدولية بحسب مايقولون،في الوقت الذي يؤكد فيه أحمد عيسى اليدالي مدير الاعتمادات والعلاقات مع الصحافة بالوزارة المكلفة بالاتصال،وهي وزارة الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان،سعي الحكومة خلال السنتين المنصرمتين إلى تسهيل عمل الصحفيين ومساعدتهم في الوصول للمعلومات ومصادر الأخبار،يضيف ولد اليدالي:
“قامت الحكومة بإنشاء هيئات محددة وتفعيل أخرى قائمة،وعينت مكلفين بالاتصال في جميع الوزارات وصدرت تعليمات للوزراء بمنح المكلفين بالاتصال الصلاحيات والوسائل الضرورية لأداء مهامهم،كما حرص القطاع الوزاري المكلف بالاتصال على تسهيل اعتماد المراسلين ومنحهم الأذونات المطلوبة وتقديم التسهيلات لتأدية مهامهم على الوجه المطلوب،ولم تسجل حالة رفض لأي طلب اعتماد ولا مضايقة لأي مراسل أثناء قيامه بعمله على عموم تراب الجمهورية الإسلامية الموريتانية،وأؤكد لكم أن الحكومة الموريتانية ملتزمة التزاما تاما ومطلقا باحترام حرية التعبير وصيانتها كخيار استراتيجي لا رجعة فيه،وهذا الالتزام عبر عنه فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في كل خرجاته الإعلامية الأخيرة،وتضمنته السياسة العامة للحكومة المقدمة للبرلمان الموريتاني”.
وحول ما إذا كان هناك قانون صريح يمنع التعاطي مع المراسلين الدوليين وتسهيل مهمتهم للحصول على المعلومات ونتائج الاجتماعات التي تعقدها الجهات الحكومية يقول المحامي والنائب البرلماني العيـد محمدن:
“لا علم لي شخصيا بقانون يمنع مطلقا التصريح ومشاركة المعلومات بشكل خاص مع الصحافيين الذين يعتبرون أبرز مصدر من المصادر التي يعتمد عليها المتلقي للحصول على المعلومة،هناك واجب التحفظ طبعا وقد يتطلب كذلك الوصول للمعلومات إذن الرئيس الإداري أو القائد،غير أن ذلك لا يرقى لمستوى المنع القانوني الحاسم”.
عدم وجود قانون صريح يمنع على الدوائر الرسمية التعاطي ومساعدة الصحافيين من أجل إنجاز الأعمال المهنية الغنية بالمعلومات الصحيحة والدقيقة،لم يسهم في فتح الأبواب التي يجد المراسل كل ما طرق موضوعا وأراد الوصول للمعلومات الرسمية المتعلقة،ومع لجوء الجهات الرسمية للمستشارين الإعلاميين كما يقول السالك زيد،فإن هؤلاء لم تُمنح لهم ربما صلاحيات القيام بأدوارهم على الوجه المطلوب،ويضيف السالك:
“الوصول إلى المعلومة أيا كانت في الدوائر الرسمية وحتى بعض الدوائر الخصوصية أمر صعب لكل صحافي،خاصة إذا كان مستقلا ولا يعمل لدى مؤسسة محددة،وقد طالبنا أكثر من مرة بضرورة فتح الباب أمام الصحافيين وتقديم المعلومات لهم،والخطوات التي تمت باعتماد مستشار إعلامي في كل دائرة حكومية وخلايا إعلامية بالمؤسسات،من المفروض أن تكون المهمة الأولى لهذه الخلايا والمستشارين تقديم المعلومات،غير أنهم لم يحصلوا على الضوء الأخضر من طرف المسؤولين عنهم،لذلك دائما ما يرفضون الحديث أو يتحججون بحجج كثيرة،لكي لا يشاركوا في مواضيع قد تمس قطاعاتهم التي يعملون فيها،لذلك المعلومة غائبة وباب المعلومات مغلق أمام الصحافيين”.
يخيم على المشهد سعي الجهات الرسمية لمشاركة المعلومات،والتحديات التي يتحدث عنها المراسلون للمؤسسات الإعلامية الدولية،رغم تأييد القانون لحق الوصول للمعلومة،لكنها قوانين قد لا تجد طريقها للتطبيق يقول مراقبون.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا