موريتانيا:رياض الأطفال في مواجهة الوباء العالمي/ أموه أحمدنـاه.
شهدت العاصمة الموريتانية نواكشوط في السنوات الأخيرة تزايدا ملحوظا لرياض الأطفال،على غرار المدارس الحرة التي أصبحت توجد في كل أطراف المدينة،وقد وصلت هذه الرياض بحسب احصائيات ألفين وتسعة عشر 753،منها 34 عمومية،بينما يصل عدد الخصوصي 463،في الوقت الذي بلغت الرياض الجمعوية 255.
تزايد أعداد الرياض الخاصة خلق فرص عمل كثيرة،لكن أصحابها كان لهم موعد مع التوقف والإغلاق بعد فترة قصيرة من بزوغ فجر كورونا في موريتانيا،فالإجراءات الاحترازية الرامية للحد من تفشي الوباء لم تقتصر على إغلاق المدارس وحدها،بل شملت رياض الأطفال ما أدى لغلق باب رزق كان يعتمد عليه كثيرون،تقول ميمونة وهي مالكة روضة بالعاصمة نواكشوط:
“لقد توجهت لهذا المجال في البداية كاستثمار،ثم رويدا رويدا بدأت أتعلق وتمتد صلتي به،أتذكر أنني بدأت منذ خمس سنوات تقريبا،وطوال الفترة الماضية كنت سعيدة بفرص العمل التي خلقت للمربيات اللواتي في الروضة،وبالدخل الذي كان مرضيا في أغلب الأشهر،وإن كنا نعيش مع الشعور بالمسؤولية الملقاة على كواهلنا كمشرفين على مرحلة حساسة من الطفولة،غير أن كورونا صرم حبال الوصل بيننا والعمل،لذلك اضطررت لقطع رواتب المربيات،وكنا نتوقع تعويضا ولو رمزيا من لدن الدولة،غير أن ذلك لم يحدث حتى يوم الناس هذا”.
تتفاوت الرسوم في رياض الأطفال بتفاوت الأعمار،حيث يُدفع عن الأطفال الرضع مبلغ عشرة آلاف أوقية قديمة شهريا(28 دولار)،بينما رسوم بقية الأطفال في المجمل عشرة آلاف أوقية قديمة عند التسجيل،وستة آلاف أوقية قديمة عند نهاية كل شهر(17 دولار)،وبحسب القائمين على الرياض فإن الرعاية الخاصة التي تحتاجها فئات عمرية دون أخرى هي العامل أساسا وراء تحديد الرسوم،وعن مدى التأثر من جائحة كورونا تذكر منينة بنت السالك وهي مسؤولة روضة:
“لقد تأثرت رياض الأطفال كغيرها بموجات كورونا المتعاقبة،فقد أغلقنا الروضة بشكل كامل مع إغلاق المدارس،استجابة للإجراءات الصحية المتبعة في البلاد،وقد كان لتلك الإجراءات الآثار الاقتصادية البالغة على مشروعنا الفتيِّ آنذاك،حيث تم افتتاحه في السنة الماضية قبل الموجة الثانية،وتراجع عدد المسجلين أثر سلبا علينا وجعلنا أمام تحد حقيقي،حيث كدنا نواجه الإفلاس،ولم يكن أمامنا غير الاستمرار بجهود ذاتية والبحث عن مصادر أخرى لتوفير إيجار المقر وتسديد الماء والكهرباء ورواتب العاملات”.
الاهتمام برياض الأطفال كأول معين ينهل منه الطفل،حيث يكتسب الكثير من الصفات والسمات التي ستشكل شخصيته لاحقا،تجلى من خلال اعتماد الحكومة الموريتانية على التكوين،وتستفيد منه المربيات على عموم التراب الوطني،بغية تأطيرهن حول مواضيع مهمة تقوم بدور كبير في بناء الشخصية،وعن التأثر الحاصل بفعل الإغلاق الذي استمر لمدة أشهر،ومع إعلان الحكومة الموريتانية تعويض أصحاب المدارس الحرة للتخفيف من تبعات الوباء،فإن أصحاب رياض الأطفال لم يشملهم ذلك التعويض،الأمر الذي تتحدث عنه فاطمة بكثير من الاستغراب قائلة:
“لم نجد مبررا لاستثناء أصحاب رياض الأطفال من التعويض،نحن أيضا تأثرنا كثيرا واضطررنا لقطع أرزاق العمال الذين كانوا معنا،وقد كنا ندفع الإيجار وفواتير المياه والكهرباء،ومع ذلك غبنا عن اهتمام الدولة،وما زلنا نطالب بإعطاء العناية لنا انطلاقا من مساهمتنا في امتصاص البطالة،وحرصنا على تربية الأجيال التي ستحمل مشعل الغد بكل تأكيد،ونرجو أن تكون السنة التي على الأبواب أفضل من الماضية،وهي التي تأثر الجميع خلال أغلب أشهرها من الدواعي الوقائية التي شلت الحركة عموما”.
الحاجة المتنامية لرياض الأطفال بفعل الارتباطات التي تمنع الوجود في المنازل جلّ الوقت،كان له الأثر الكبير في التوجه صوبها كاستثمار خلق فرص عمل للمربيات على وجه الخصوص،غير أن هذه الفرص قضى عليها كوفيد عندما كان وراء إغلاقها،ويشير الأستاذ والباحث الاجتماعي الشيخ الحسن البمباري لخطورة توجه الأطفال لغير الرياض في السنوات المبكرة،حيث يصبحون عرضة للشوارع وفق تعبيره،وما يصاحب ذلك من أمور قد تؤدي للانحلال الأخلاقي لاحقا ويزيد:
“الانقطاع عن الرياض يعني في أحسن الأحوال البقاء في المنازل،حيث يقضي الطفل وقته أمام مسلسلات للكبار مثلا،أو أجهزة إلكترونية غير مضبوطة على الإطلاق،وفي الحالات السيئة يذهبون للشوارع بحجة اللعب ويتركون بدواعي الإهمال الأسري،وكل ما سبق يؤدي لما لا تحمد عقباه”.
وعن الخطة التي كان يمكن الاعتماد عليها ضمانا لعدم انقطاع الأطفال عن الرياض يضيف الأستاذ الشيخ الحسن:
“كان يمكن اللجوء لمجموعة من الحلول في مقدمتها تعزيز الإجراءات الخاصة بالروضة،وهو أمر يحدث بتقليص العدد أو فرض معايير معينة على رياض الأطفال،ينضاف لما سبق الإرشاد الأسري الخاص بأطفال الرياض،وذلك ضمانا لعدم وجود فراغ أثناء عملية التربية في مرحلة مهمة من التكوين التربوي والنفسي”.
وجدت المربيات أنفسهن بلا عمل كما تقول عيش،وهي التي فقدت مصدر رزقها الوحيد بعد تفشي الوباء،وتتذكر جيدا تلك الفترة التي تستحضرها قائلة:
“لقد كانت أياما صعبة جدا،لم يكن أمامنا أكثر من خيار،فنحن لا نعرف غير هذا العمل،الأمر الذي جعل حصولنا على عمل آخر يشبه المستحيل،لذلك فقد كان القعود مع القاعدين الواقع الذي لا مفر منه،ومع ذلك فقد مرت تلك الأيام ولله الحمد،ونأمل أن تصبح من الماضي إلى الأبد”.
أيام قليلة تفصل عن الافتتاح الدراسي الجديد،حيث يعيش أصحاب رياض الأطفال على وقع الانتظار،على أمل أن تصلح هذه السنة ما أفسدته الماضية،غير أن الإعلان عن موجة أخرى من الفيروس قد يقتل تلك الأمنية في المهد.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا