محمد بلال عامل من عشرات العمال الذين يشكلون مظهرا من مظاهر أحد الأرصفة وسط العاصمة نواكشوط،يعرض خدماته على الزبناء القادمين من مختلف أطراف المدينة،من الذين يبحثون عن من يصلح الكهرباء أو يقوم بتوزيعها داخل المنازل،وهو يستحضر جيدا الفترة التي توقف فيها بشكل جزئي عملهم بعد ارتفاع الإصابات بكورونا في موريتانيا،الأمر الذي حمل معه جملة من الإجراءات الوقائية كمنع التجمعات،ويقول محمد عن تلك الفترة:
“لقد أثر قرار منع التجمعات وغيره من القرارات بشكل كبير على دخلنا اليومي،وعدم خروج الناس من المنازل للدواعي الاحترازية جعل حرفتنا تعرف الجفاء،ما وضعنا في وضع لا نحسد عليه،ومع ذلك فلا يمكن إنكار بعض العمل الذي كان يحدث بين اليوم والآخر،فعملنا المتمثل في إصلاح الكهرباء وتصليحها من الأعمال التي لا يعرف الطلب عليها التوقف،وإن كانت طبيعة هذا الطلب اختلفت دون شك عن طبيعته قبل كورونا وما رافقه من إجراءات وقائية،لذلك فالاستفادة كانت محدودة وغير مشجعة على المواصلة”.
عند ناصية الشارع المحاذي للعيادة المجمعة وسط العاصمة نواكشوط،يقع النظر على أعداد كبيرة من العمال الذين يتوزعون حسب التخصصات،بين من يقوم بطلاء المنازل ومن يصلح حنفيات المياه وآخر يقتصر دوره على الكهرباء،المنكب بالمنكب و الساق بالساق في انتظار زبون يتم استقباله على وقع المنافسة بين العمال الذين يقضون يومهم على الرصيف بصرف النظر عن أشعة الشمس،بعد تعذر الحصول على محلات للإيجار ولو كان الدخل محدودا كما يشير لذلك عبد الله ويكمـل:
“لقد طالبنا الجهات المختصة قديما وما زلنا بتوفير محلات كي تكون لدينا عناوين ثابتة تساعدنا في الحفاظ على الزبائن وتقينا الشمس التي نجد أنفسنا مكرهين على الجلوس تحت أشعتها،أما بخصوص الفترة التي توقفت فيها أنشطتنا فقد كان لها ما يبررها بكل تأكيد،من خوف ووجل من انتشار الفيروس،غير أن الذي غاب عن الجهات الحكومية الوطنية هو المبادرات الداعمة لمثل هذه الأعمال التي نعتمد عليها ونحن مجموعة من معيلي الأسر ولا باب من أبواب الرزق مفتوح أمامنا غير هذا الباب”.
ويقول الباحث الاجتماعي الحسن محمد الحسين عن ما يصفه بعدة تأثيرات لمثل هذه القرارات ويزيد:
“ينعكس هذا سلبا على زيادة البطالة داخل صفوف المجتمع وعدم قدرة العمال على تأدية واجباتهم الاجتماعية،ما قد يدعو لممارسات خارج القانون والأعراف الاجتماعية،إلى جانب حقيقة أن هذه الفئات الهشة التي تواجه صعوبة الحصول على مستوى مقبول من الحياة الكريمة يزيد من حدة تأثير الجائحة،ويضاف لما سبق ذكره أن أغلب العاملين على كواهلهم أعباء أسر،وهذا يطرح إشكالا طالما أرَّق المهتمين والباحثين في المجال الاجتماعي،وهو عبارة عن الواقع الاجتماعي لهذه الفئة التي تعيش بين مجتمع يرفض الاعتراف بحقوقها ويأبى حتى المطالبة بها،ومتطلبات تزداد يوما بعد يوم”.
الحملة التي أعلنت عنها الجهات الصحية الموريتانية للوقوف دون تفشي الوباء بعد تسجيل أرقام مرتفعة من الإصابات،جعلت أصحاب الأعمال الحرة في وضع خاص،حيث ساد الموقف الخوف من التجمعات التي حظرتها الحكومة الموريتانية،الأمر الذي قضى على على ذلك الدخل المحدود،كما يؤكد محمود وهو يتحدث عن فترة ما زالت تلقي بظلالها على يومياتهم حتى الآن:
“ربما يصعب عليك التخيل أن يعود رب أسرة لا يحمل معه أوقية واحدة بعد يوم تام من الوقوف في الأرجاء والبحث،لكن هذا ما كان يحدث لنا أغلب أيام تلك الفترة الصعيبة حقا،بل كنا نلجأ أحيانا لاستعارة ثمن سيارة الأجرة بغية العودة للمنزل،وكم كنا نشعر بالضعف عند العودة بدون أوقية واحدة تساعد في التكاليف اليومية،ولو كنا نتقن غير هذه الحرفة لجعلناها القبلة،لكننا لا نعرف غير الكهرباء وإصلاحها وتوزيعها داخل المنازل،لذلك فقد كنا مرغمين على المواصلة والصبر الذي يفتح باب الفرج”.
ويشير النقابي بالكونفدرالية الموريتانية للشغيلة محمد معط لتأثير كوفيد على مناخ الأعمال بشكل عام،وتضرر اقتصادات مختلف الدول ويزيد:
“كان لا بد من وضع خطط بديلة للتعامل مع هذه الحالة وتأثيراتها على الدخل،إذ كان لزاما على الحكومات أن تتدخل للتخفيف من الأضرار الناجمة عن تلك الأزمة،وكذلك قيود الإجراءات الاحترازية التي تفرضها،وتضرر منها أصحاب المهن الحرة بشكل خاص،حيث كنت نتوقع رصد معونات مالية وغذائية أو قروض ميسرة أو من ذلك القبيل،الأمر الذي لم يحدث للأسف،وقد حاولنا في الكونفدرالية عدة مرات تسليط الضوء على هذه المسألة بالتواصل مع الجهات الحكومية دون جدوى،ولدينا الآن تخوفات كثيرة من هذه الموجة الثالثة وما قد ينتج عنها من أضرار”.
ومع أن العمل لم يتوقف بشكل نهائي حسب ما أخبرنا به الذين صادفناهم،إلا أن تلك الفترة أثرت شكل بالغ وتركت بصمتها على الدخل،يقول سعيد:
“عند جاء الإعلان عن منع التجمعات لم نكن نملك خيار الجلوس في المنازل،فدخلنا اليومي المحدود يذهب تقريبا في المصروفات اليومية،صحيح أن هناك فائض يبقى في بعض الأيام،غير أن ذلك لا يعطينا رفاهية الجلوس يومين متتاليين،لقد كنا نقف على جنبات الطريق بعد أن نضع أدواتنا في مكان لا تراه الشرطة،التي كانت تفرقنا و تطاردنا بين الفينة والأخرى،ومع ذلك فقد كنا نحصل على الزبناء ونتفق معهم على السعر مشيا أحيانا وأحيانا من وراء حجاب عن الشرطة،ثم نحمل الأدوات اللازمة ونحصل على ما كتبه الله لنا رزقا في ذلك اليوم،رغم تحفظ الأسر التي نضع عندها الرحال لتصليح الكهرباء أو توزيعه”.
خلال الفترة الماضية بدأت الحياة تعود تدريجيا،بعد توقف دام لعدة أشهر تضرر خلاله أغلب العاملين في الأعمال الحرة،غير أن الارتفاع الذي تعرفه أرقام الإصابات بكوفيد خلال الفترة الحالية،قد يحمل معه جملة من الإجراءات الوقائية،ربما تزيد من وطأة كوفيـد الذي لن تختفي تأثيراته قريبا بحسب مراقبين.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.