الإطار العام
تستضيف مدينة تنبدغه في الفترة من 31 مارس إلى 2 أبريل المعرض الوطني للثروة الحيوانية الذي ينظم تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
ويعد هذا حدثًا تاريخيًا بالنسبة لهذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها بالكاد 30 ألف نسمة.
لقد ساهم التقري العشوائي خلال السنوات الأخيرة في إنشاء أكثر من عشرين قرية صغيرة على جانبي طريق الأمل وفي المناطق المجاورة مباشرة لعاصمة المقاطعة. وتسبب هذا التشتت في صعوبات جمة حالت دون الولوج التام إلى الخدمات الأساسية وخاصة التعليم والصحة والكهرباء.
فباستثناء مدينة تنبدغه التي تتركز بها جميع المرافق الحيوية والتي يتمتع سكانها بإمكانية الوصول إلى جميع الخدمات الأساسية، فإن بقية مناطق البلدية الأخرى يغلب عليها الطابع الريفي بأنشطته التقليدية من زراعة وتنمية حيوانية.
لا تزال مدينة تنبدغه، بالرغم من أقدميتها ومكانتها الإدارية وحضورها القوي في التاريخ السياسي للبلاد، تعاني من غياب تام للبنية التحتية الحديثة واقتصار النشاطات فيها على التنمية الحيوانية وتجارة المنتجات المختلفة والزراعة والصناعة التقليدية. كما أن الحرف الصغيرة المتعلقة بالبناء والنقل (…) لها حضورها القوي، وتشكل مصدر دخل لجزء كبير من السكان (الشباب من ضحايا التسرب المدرسي، والرجال والنساء الذين أرغمتهم الظروف على الهجرة من مناطقهم الأصلية، والعمال المهاجرون من دولة مالي المجاورة، إلخ).
ومن دون شك أن غياب بنية تحتية سياحية، من فنادق وغيرها، سيشكل عائقًا كبيرًا أمام استقبال الوفود الرسمية والضيوف، والتي سيناهز عددها خمسمائة إلى ستمائة شخص، بالإضافة إلى مئات الأشخاص الوافدين من جميع أنحاء الوطن لأغراض مهنية أو سياسية أو شخصية.
حضور السلطات الإدارية وعمدة البلدية
ولرفع هذا التحدي الكبير، تستنفر السلطات الإدارية وعمدة البلدية لسد الخلل، معتمدين على كرم ضيافة سكان المدينة وأطرها الذين من المؤكد أنهم سيجهزون منازلهم لوضعها تحت تصرف المنظمين.
كما أن التحديات ستكون كبيرة بالنسبة للشركة الوطنية للمياه وللشركة الموريتانية للكهرباء، حيث سيتوجب عليهما توفير خدمتي المياه والكهرباء دون أي انقطاع ولمدة لا تقل عن عشرة أيام.
الفوائد الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة
إن القرار الشجاع والطموح بتنظيم هذا المعرض في تنبدغه، وأمام هذا الضعف البنيوي، وبغض النظر عن الظروف الاجتماعية والصحية، ستكون له بلا شك تداعيات إيجابية، ليس فقط على كل الفئات الاجتماعية المحلية، ولكن أيضًا على الأنشطة الاقتصادية: فالأنشطة التجارية والصرف الصحي وتجهيز المركز الصحي وإعادة تأهيل دار البلدية وترميم الطرق وتمويل المبادرات المختلفة المؤطرة من طرف البلدية أو من طرف خصوصيين أو المجتمع المدني، وتوزيع سلات غذائية، كلها نتائج متوقعة سيتمخض عنها تنظيم المعرض.
الاعتناء بالثروة: إنصاف ورد الجميل
إن تنظيم هذا المعرض المخصص لتنمية الثروة الحيوانية وتطويرها، هو بلا شك عمل سياسي ذو أهمية قصوى يعكس رغبة حقيقية من رئيس الجمهورية في إعطاء هذا القطاع الحيوي دفعا جديداً من خلال الاعتراف رسمياً بدوره الريادي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلد.
ذلك أن هذا القطاع الذي عانى من التهميش على المستوى السياسي لفترة طويلة، رغم أهميته الاقتصادية والمالية والاجتماعية وحتى الأمنية، يستحق المزيد من الاهتمام والاستثمار كما هو الحال بالنسبة لقطاع الزراعة أو قطاع التعدين. فبالإضافة إلى دوره في تحقيق الأمن الغذائي، فإن قطاع الثروة الحيوانية يساهم بنسبة تصل إلى 21٪ من الناتج المحلي الإجمالي الوطني ويوفر فرص عمل لـ 14.6٪ من اليد العاملة النشطة (مكتب الإحصاء الوطني ، 2016).
وبتنظيم هذا المعرض في منطقة ذات إمكانات رعوية هائلة، تكون الحكومة الموريتانية قد أعطت إشارة الانطلاق لرؤية استراتيجية جديدة تستخلص الدروس من أزمة فيروس كورونا المستجد وتراهن على تنمية الموارد الطبيعية المحلية من أجل تلبية الاحتياجات الغذائية من خلال تطوير جميع القطاعات ذات الصلة بالثروة الحيوانية.
تطلعات المنمين والمهنيين العاملين في قطاع التنمية
يجب أن يكون هذا المعرض حاسما بالنسبة للمنمين وللاقتصاد الوطني بأكمله، لكونه يأتي في وقت تأثرت فيه جميع القطاعات الاقتصادية بشدة من عواقب أزمة كوفيد-19.
ولا يعطي هذا السياق الخاص للمعرض أهميته فحسب، ولكنه أيضا يولد آمالا عريضة لدى مختلف الفاعلين الناشطين في القطاع، ومن بين تلك التطلعات المشروعة على سبيل المثال لا الحصر:
– ربط قطاع التنمية الحيوانية بقاطرة الاقتصاد الوطني بصفة حقيقية ومستدامة؛
– إنشاء آلية ائتمانية لصالح المنمين؛
– إنشاء آلية لتعويض الخسائر التي يتعرض لها المنمون جراء الأزمات والكوارث الطبيعية (الجفاف والأوبئة … الخ.) ؛
– تطوير تقنيات الاستزراع العلفي.
– إنشاء آلية إنذار مبكر لتمكين المنمين من الاستعداد لمواجهة الأزمات الناجمة عن التغيرات المناخية.
– الاستفادة القصوى من الجهود المبذولة لتطوير مصنع النعمة للألبان ومن الإنجازات المحققة.
– إنشاء وحدات معالجة وتقييم للمنتجات الحيوانية مع إيلاء اهتمام خاص لإشراك المجتمع المدني والتكتلات الجمعوية؛
– دفع القطاع الخاص للاعتناء أكثر بقطاع الثروة الحيوانية. إلخ
أما بالنسبة لولاية الحوض الشرقي عموما، فستتعزز مكانتها كقطب اقتصادي ملائم لتنمية الثروة الحيوانية جالب للمبادرات والاستثمارات الموجهة إلى القطاع من كل الجهات، وخاصة من القطاع الخاص.
حتمية النجاح
حسب المعلومات الواردة من تنبدغة، فإن الاستعدادات على قدم وساق في إطار مقاربة تشاركية تمكن كل الفاعلين من المشاركة في التنظيم والاستقبال والتنفيذ، بإشراف مباشر من السلطات الإدارية والبلدية من أجل ضمان إنجاح الحدث الكبير.
يجب أن تستمر الجهود وتتوسع لأن التحديات كبيرة ولأن كل الأنظار تتجه الآن إلى معرض بلدية تنبدغه، الذي سيكون أهم حدث بعد جائحة كوفيد-19، على الاطلاق.
وفي الختام، أتمنى التوفيق لهذه التظاهرة